بقلم الدكتور عبد الحميد القضاة
دكتوراه في تشخيص الأمراض الجرثومية
من كلية طب جامعة مانشستر في بريطانيا
|
صورة للدكتور البروفسور عبد الحميد القضاة في بيان صحفي |
"تقارير إعلامية كثيرة، من هنا وهناك، أشغلت الفضائيات، وأخافت الناس، حتى خُيِّل للبعض أن هذا الوباء آتٍ لا محالة، ولن يترك صغيرا ولا كبيرا بخير، ولن تسلم مجتمعاتنا خاصة، إلا إذا عطلت مدارسها، وألغت عمرتها وأجّلت حجها، وبادرت لحجز عشرات الملايين من جُرعات المطعوم السحري الموعود !!، وخاصةً أن التركيز الإعلامي إنصب على حالات الوفاة، علماً أن دراسةً متأنية بينت أن كل الذين ماتوا بسبب هذا الوباء، كانوا يعانون أصلاً من خللٍ في جهاز مناعتهم لسبب أو لآخر، ولو أن الإعلام ركز بنفس القدر على مئات الآلاف الذين تعافوا من الإصابة، لظهر الوباء للناس بسيطاً على حقيقته، وهذا التركيز بهذه الطريقة فيه تهويلٌ عظيمٌ وبعدٌ عن الحقيقة، لحاجةٍ أو لحاجاتٍ بدأت تتبدى للمهتمين يوما عن يوم، وللتوضيح أكثر، نُذكِّر بالأمور التالية: أولاً : نقلت أكثرُ من أربعين فضائيةً عربية وإسلامية مشهداً عظيماً، لتجمع ثلاثة ملايين معتمر ومعتكف يوم الجمعة أي في الثامن والعشرين من رمضان، ليلة ختم القرآن الكريم في الحرم المكي، ولم تثبت – ولله الحمد – ولو إصابة واحده بإنفلونزا الخنازير، كما ظهر في تقرير أحد كبار المسؤولين عن الفحص في المدينة المقدسة.
تجمعٌ ضخمٌ هائل، لا مثيل له حتى في الحج، يستمر لساعاتٍ طويلةٍ في الحرم المكي، والناسُ يصلون ويطوفون بإزدحامٍ مشهود، وقد جاءوا من أطراف الدنيا كلها، متوكلين على الله، وآخذين بكل أسباب النظافة، مطمئنين إلى كرم الله ورحمته، فهم ضيوفه وفي حرمه الآمن. ثانيا : زرعوا في روع الناس - من كثرة التكرار – أن الخريف والشتاء هما الموسم الحقيقي لإنتشار هذا الوباء، وتناسوا أن أقطاراً كثيرة في العالم، شرقه وغربه مرَّ عليها خريفٌ وشتاءٌ بعد ظهور هذا الوباء، ولم يحصل ما يقولون !!!، فلماذا يركزون على خريفنا وشتائنا بالذات ؟؟ ألأنه موعدٌ مناسب، ووقتٌ كافٍ لشركات الأدوية المصنعة للمطعوم، لتوفيره بكميات كبيرة ؟؟
ونحن المطموع بأموالنا الأقدر على دفع التكلفة ، وبالتالي يجدون عندنا ما يريدون ؟!! أم لأن فيهما موسم حجنا ؟!! ثالثا : كفى متاجرة وتهويلاً وتخويفاً للشعوب، فقد سقطت الدعوى، وخابت آمال المتاجرين بصحة البشر، وبان الكثير من مكرهم وتخطيطهم. فما حصل من تجمعٍ هائلٍ في مكة المكرمة لأعدادٍ عظيمة من المعتمرين، جاءوا من جميع بلدان العالم، قبل توفر المطعوم وتوزيعه وإستعماله. هذا التجمع الكبير الذي - بفضل الله – بسلام وعافيه, يُثبت كذب ما يدَّعون ويروِّجون. " والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ".
رابعا : إن من يتجولَ في العالم، يرى بأم عينه الفارقَ الواضح في الإهتمام بهذا الوباء، فلا تراهُ بشكل رئيسي إلا في مطاراتِ الدول النامية وصحفهم وأحاديثهم. فلماذا لم تؤجل أو تغلق المدارس ورياض الأطفال والجامعات في البلاد الغربية الموبوءة ؟؟.
ثم لماذا لا يقومون في الغرب بالفحص المخبري لكل من تظهر عليه علامات الإنفلونزا ولو كانت الإنفلونزا العادية، ؟؟.اما في بلادنا وحسب ما ظهر في الصحف فقد تراكمت العينات المشبوهة في المختبرات لدرجة أنها أخذت حصتها وحصة غيرها من الإهتمام والوقت والإنفاق، فهل نحن أكثرُ حرصاً على صحة مواطننا منهم على مواطنهم ؟؟ ام نحن فعلاً نطبق دون وعيٍ مقولة اننا السوق الإستهلاكية للكواشف الطبية المصنوعة في الغرب ؟؟.
فمع تقديرنا للجهود الكبيرة التي تقوم بها الجهات المعنية، إلا أننا نطالب بنفس القدر من الإهتمام بالجوانب الصحية الأخرى للمواطن في دولنا النامية. خامسا : حذارِ من المطعوم السحري الذي تنتظره الحكومات بفارغ الصبر، فعليه ألفُ علامة إستفهامٍ وإستفهام، ويكفي أن نذكر أن مصنِّعيه لن يستعملوه لأنفسهم، وأن نصف أطباء بريطانيا سيرفضون تطعيم أنفسهم به، لمعرفتهم بآثاره الجانبية على صحة الإنسان. ومع أنني من المشجعين دائماً للناس لتطعيم أبنائهم وتحصينهم ضد الأوبئة الأخرى ؛ كشلل الأطفال والحصبة، إلّا أنني لن أستعمل مطعوم إنفلونزا الخنازير لنفسي ولن أنصح به غيري لأسباب كثيرة ونتائج تجارب ظهرت هنا وهناك. وأخيراً : نأخذ بكل أسباب النظافة الممكنة في حياتنا اليومية، سواءً في البيت أو في مكان العمل أومكان الدراسة أو في الحل او الترحال، ولا نؤخر عملاً بسبب هذا الوباء، خاصة في ما يتعلق بالحج، فضيوف الرحمن في رعاية الله وحفظه، فلا تقلقوا عليهم."
المصدر: موقع خبرني الأخباري