( تعلم الصدق )
الهدي النبوي في الصدق:
عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة , وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
والصدق:مطابقة القول الضمير والمُخبَرِ عنه معاً ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقاً تاماً.
والصديق:من كثر منه الصدق. وقيل: بل يقال لمن لا يكذب قط. وقيل: لمن لا يتأتّى منه الكذب لتعوده الصدق. وقيل: بل لمن صدق بقوله، واعتقاده، وحقق صدقه بفعله، كما قال الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن.
ـ من التربية الأسرية في الحديث:
1ـ الصدق أساس التوفيق والإصلاح:
ـ فالصدق في القول يفتح للعبد قلوب الصادقين المخلصين، والصدق في العقيدة يفتح للعبد أبواب الرحمة والتوفيق من رب العباد , والصدق في العمل يفتح للعبد أبواب النجاح والتوفيق والحفاظ على الأوقات والأموال والهمم.
ـ من هنا كان الصدق أساس التوفيق وقربنه.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: ( عظم مقدار الصدق، وتعليق سعادة الدنيا والآخرة، والنجاة من شرهما به، فما أنجى الله من أنجاه إلا بالصدق , ولا أهلك من أهلكه إلا بالكذب. وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين فقال: )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ([التوبة: 119] ).
وقد قسم سبحانه وتعالى الخلْق إلى قسمين: سعداء وأشقياء، فجعل السعداء هم أهل الصدق والتصديق، والأشقياء هم أهل الكذب والتكذيب.
2ـ الكذب أساس الإفساد والفشل:
فالكذب في القول يغلق أمام العبد قلوب العباد، والكذب في العقيدة يغلق أمام العبد أبواب رحمة رب العباد ويفتح له أبواب الشقاء، والكذب في العمل يؤدي إلى ضياع الأوقات، والأعمار، والأموال والهممم والطاقات.
فالكذب كما قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: بريد الكفر والنفاق، ودليله ومركبه، وسائقه وقائده، وحليته، ولباسه، ولبه، فمضاد الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا وطرد أحدهما صاحبه ويستقر موضعه.
3ـ تعلم الصدق ممكن:
يدلنا الحديث على أن تعلم الصدق ممكن , وأن العبد يستطيع أن يطوع نفسه على الصدق ويدرب نفسه عليه , فهو سلوك مكتسب , من هنا وجب تعلمه لأبنائنا، وتدريبهم عليه, وأن نضمن مناهج التربية الإسلامية مواقف تربوية مدعمه للصدق، ومثبطة للكذب، ( ما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ) ( وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ).
4ـ الصدق ميزان الإيمان:
فالصدق دليل الإيمان ومؤشره وميزانه وعلى العبد أن يقيم سلوكه وأقواله فإن رأى نفسه من الصادقين فهو مؤمن، وإن رأى نفسه من الكاذبين فهو منافق أو غير صادق الإيمان.
5ـ البراعة في الحديث لا تدل دائماً على الصدق:
توهم بعض الناس أن براعتهم في الحديث، وترتيبهم الحديث بالكذب فيه دلالة على صدقهم. من هنا حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم المتخاصمين من ذلك، ونبه الرؤوساء والقضاة إلى خطورة ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: ( إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضهم يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق، فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها ) أخرجه البخاري ومسلم.
وهذا إنذار للكذابين , والبلغاء بالكذب , والكتاب المضللين، والدعاة المفوهين المنافقين بأن عذاب الله شديد.
5- ـ علموهم الصدق وذروهم:
ـ إلى الآباء والمعلمين والمربين وواضعي مناهج التربية الأسرية: علموا النشء الصدق ودربوهم عليه تنجحوا في كل بناء بعد ذلك.