كثيرة هي المشاعر التي يشعر بها الانسان البائس فتختلط عنده الرغبة بالبكاء بالرغبة بالضحك العالي ,وتتخبّط به المشاعر المتناقضة حتى يتعب و يسقط ملقياً على أقرب وسادة أمامه. إلا أنه عندما يغمض عينيه التي أرهقها السهر تمر أمامه الهموم التي كانت تحيط به ككوابيسٍ فظيعة فيبقى يتقلّب ذات اليمين و ذات الشمال ما شاء الله أن يفعل ... و عندما تشرق شمس يومٍ جديد يستفيق المرء من سباته و يقرر أن يستقبل يومه الجديد بابتسامة ...إلا أن شفاهه تخونه و تأبى أن تلبي رغبته فعندها يجلس المرء متذكراً الأحلام التي مرّ بها عند نومه فيقفز إلى أفكاره البؤس ...ذاك البؤس الذي أوصله إلى ما هو عليه و الذي أوصله إلى حالة الفشل النفسي و الاجتماعي .
فيجلس البؤس على بلاطة صدره دافعاً إياه إلى الجنون فتتشتت أفكاره و تقل كلماته و يشحب منظره واصلاً به إلى أعلى درجات الارهاق فيصبح الشخص مجنوناً متمرداً على كل ما هو حوله ..... فيعلو صوته و تتشرذم كلماته و تقل صداقاته و ينفر منه أحبابه .... و يبقى وحيداً يعكف على أفكاره السوداوية التي تنتهي به غالباً إلى الانتحار علّه يجد في الموت ما لم يجده في الحياة من راحةٍ و هناء ...... إلا أن جبّنه يعود به إلى صوابه فيضع (سيروم ) الأمل في وريده و يمشي بين الناس مبتسماً مرحاً متظاهراً براحة البال و قد يحسده الآخرون على باله الفارغ من هموم الدنيا و متاعبها لكنهم يجهلون مدى بأس هذا الشخص و ينسون النظر إلى ( السيروم ) المعلق بيده .
فقد قست قلوب الناس و لم تعد تشعر بهموم الأشقياء في هذه الدنيا ...... فينعتون المهموم بالمريض النفسي تارةً و أحياناً ينعتوه بالمجنون ..... لكنهم لا يعلمون أن هذا ( المجنون ) كان يفكّر بقتل نفسه حتى يتخلّص منهم و من مناظرهم و أحاديثهم الكاذبة و من براعتهم في ( تمسيح الجوخ ) و من ابتساماتهم و غزلهم المفتعل .... بل وحتى من تلك الهالة التي يحيطون بها أنفسم ( مدّعين ) بأنه ما من شئ على وجه هذه البسيطة يستطيع أن يسمّ مزاجهم و يسوّد عليهم عيشتهم ...... إلا أنهم عندما يفرغون بأنفسهم يشعرون ببؤسهم هنيهة,لكنهم يعودون إلى طبعهم الكاذب عند أول ( فيديو كليب ) يظهر امامهم على شاشة التلفاز .
فيعود كل شئ إلى ما كان عليه ..... فيبقوا هم متظاهرين بنبوّتهم .. و يبقى البائس بائساً إلى ما شاء الله .
و يعود البائس إلى بيته فيجد البؤس و الشقاء باستقباله .... فيهرب منهم إلى النوم .... إلا أنهما يأبون الابتعاد و يتشاطرون الفراش معه .... فيطرق صاحبنا باكياً علّه يطفئ ما في قلبه و عقله من نيران تحرمه النوم.... و بعد ساعة البكاء المشؤومة تلك ..يمسح البائس دموعه و يقرر الهرب من الشقاء إلى النعيم الأبدي .
النعيم الأبدي !!! ما هو الطريق إليه ؟ ما هي شروط المشي على ذاك الصراط المستقيم ؟ كم يبعد عن غرفة النوم تلك ؟؟؟؟؟
هي أسئلة تمرّ ببال ذاك الشخص ..... إلا أن الأجوبة عليها مستحيلة .
فيفتح بائسنا هذا عقله و قلبه و صدره إلى البؤس و الشقاء و الهموم ..... كما يفتح الجندي صدره في وجه غزاة بلده .... فتتغلغل الهموم في صدره و تُثقل عاتقه بأشياء لا تطيقها أقوى المخلوقات فتسوء حالته و يعود إلى روتينه اليومي ليستلقي بفراشه معطياً لسموم الحياة حرية التصرف بعقله و نومه .
فيغدوا من أبئس ما خلق الله من بشر ,وتعود إلى طيات فكره تلك الفكرة التي تأمره بالانتحار للتخلّص مما يعاني .
ما من شئ في هذه الدنيا يبعث على الأمل ..... بصيص أمل ليس إلا !!!!
فمهما عمّرنا في هذا الدنيا ...... فإن مآلنا إلى القبر ..... هذا ما يقوله الناس ..... فلم لا يختصرون الطريق على أنفسهم ؟؟؟ و يلقون بأنفسهم إلى التهلكة ..... تلك التهلكة التي سيواجهونها في يوم من الأيام لا محالة ..... فلم لا يعطون لأنفسهم حرية اختيار الميتة التي سيموتونها ؟؟؟..... فما من أحد يعرف كيف سيموت ... ربما على فراش المرض ... و ربما بحادث سير ..... و ربما في السجن .... و ربما و ربما و ربما ... تعددت الأسباب و الموت واحد .... ألا يحق للانسان أن يختار طريقة انسانية لقتل نفسه بها .... و طالما أنه أتى إلى هذه الدنيا بغير ارادته ... لما لا يقرر الرحيل عنها بإرادته ؟؟؟
أم أن الانسان كائن مسيّر ؟؟؟؟ فما من شئ في حياته يستطيع أن يقرره دون تدخّل الغير .... أو تدخّل الطبيعة...أو تدخّل الرب ... أو الحكومة ... أو أو أو .....و إذا كانت الاجابة بـ ( نعم ).....فيا بئس تلك الحياة من حياة ......تلك الحياة التي لا نستيطع أن نقف فيها وقفة رجل و نقول ( هذه إرادتنا ) لا إرادة الغير أو إرادة الرب أو إرادة الطبيعة .
و يتوقّف صاحبنا البائس في النهاية عن التفكير بأمور الدنيا و مشاغلها و مشاكلها ... ليعطي الراحة لباله قبل الموت .... و قبل أن يضع مسدسه على رأسه يتسفيق من جنونه ... و يقول ( لما لم أختصر كل هذه المعاناة من خلال التوقّف عن التفكير؟؟) ..... فأكثر الناس شقاءً في هذه الدنيا ...هم الناس الذين لا يتوقفون عن التفكيربكل صغيرة و كبيرة تحيط بهم .
و بعدها يغدوا صاحبنا مواطناً صالحاً بريئاً قادراً على العيش بسلام نفسي بحت .... فيلغي دور تلك المَلَكة الرهيبة ..... و يتحوّل إلى خروف صغير لينضم بذلك إلى القطيع الكبير اللامتناهي من البشر ذوي العقول المتوقّفة و يقول :
من قال أن الطريق إلى النعيم الأبدي مجهول ؟؟؟؟ ها أنا ذا قد عرفته و استطعت المشي عليه .و الطريقة سهلة ألا و هي ...(أوقف عقلك..... و انعم براحة البال ).
هل أصبح عقلنا من أكبر المشكال الفيزيولوجية الموجودة داخلنا كما اتضح سابقاً ؟؟؟؟؟
أم أن صاحبنا مجنون رسمي و لا يفقه من الحياة سوى التذمّر ؟
وفي النهاية .....يود صاحبنا أن يهنئ الناس المدّعين للنبوّة ... ويوصيهم بعد التفكير حتى لا يصبحوا مثله .